ضوابط البحث العلمي في القرآن

بسم الله الرحمن الرحيم

(ولاتقف ماليس لك به علم ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤلا) الاسراء الاية 36

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله وآله الطيبين .

كثر تداول مباحث الاشارات العلمية في القران كدليل على الاعجاز وفي كثير من الشواهد التي تطرح في الاعلام تفتقد الى ضوابط البحث العلمي ولذا وجب التنبيه من خطورة هذا الامر ولذا قدمنا هنا في هذه المقالة ضوابط البحث العلمي في القران :

أولاً : ثبوت اكتشاف هذه الحقيقة من قبل العلماء بشكل مستقر وذلك بعد برهنة المتخصصين في مجالها على ثبوتها.

ثانياً : صحة الدلالة على تلك الحقيقة في نص من نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة وذلك دون تكلف أو  في الاستدلال؛ علماً بأن الرابط الذي يعطي هذا المناط قيمته هو عدم إمكانية إحاطة البشر بتلك الحقيقة وقت التنزيل ولذلك فإن خطوات إثبات شاهد من شواهد الإعجاز العلمي في النص الشريف تصبح خمسة وهي:

إثبات وجود دلالة في النص على الحقيقة الكونية المراد إثبات وجود إعجاز علمي بصددها.

ثبوت تلك الحقيقة الكونية علمياً بعد توفر الأدلة التي تحقق سلامة البرهنة عليها.

ثبوت استحالة معرفة البشر بتلك الحقيقة الكونية وقت تنزيل القرآن على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والتي اكتشفت لاحقاً في الأزمنة المتأخرة.

تحقق المطابقة بين دلالة النص من كتاب الله عز وجل أو من سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وبين تلك الحقيقة الكونية.

ثبوت أن النص من السنة المطهرة الذي نستنبط منه الإعجاز العلمي المشار إليه هو صحيح أو حسن حيث لا تعتمد في هذا المجال الأحاديث الواهية أو الساقطة.

 

أهم معالم المنهج المقرر في تفسير نصوص الإعجاز العلمي

تعتبر الأسس والقواعد الواجب مراعاتها في تفسير القرآن الكريم هي النبراس في تفسير النصوص عموما؛ ونجملها فيما يلي:

أولاً: يلزم معرفة ما يتعلق بالنص من سبب الورود وهل هو خاص أو عام أو مطلق أو مقيد أو منسوخ أو غير ذلك.

ثانياً: يلزم الاطلاع هل ورد نص آخر يفسره؛ إذ تفسير النص من الوحي، _ والسنة من الوحي _ أولى بالاعتبار لذلك نقدم وجوه التفسير الواردة في السنةعلى ما دونها.

ثالثاً: مراعاة العرف اللغوي في زمن التنزيل دون المعاني التي كثر تداولها فيما بعد، مهما بلغ انتشارها فيما بعد.

رابعاً: مراعاة قواعد الإعراب والبلاغة وأساليب البيان المقررة ليتم فهم أبعاد معاني النصوص.

خامسا: ملاحظة سياق النص وسباقه ومقتضيات الحال وغير ذلك من القرائن.

سادساً: التأكد من وجود إشارة واضحة أو صحيح عبارة على ما ندعي بأنه من معاني النص الذي نحن بصدد بيانه وتفسيره وتحديد الإشارة العلمية بشكل صحيح.

سابعاً: مراعاة أوليات الاعتبار في الاحتجاج بالمعاني فالنص المحكم أولى من الظاهر وظاهر النص أولى من المعنى المستقى بطريق التأويل ومنطوق النص مقدم على مفهومه كما أن بعض المفاهيم مقدم في الاعتبار على بعض؛ ولذلك يلزم عدم التسرع في ترجيح وجه تفسيري دون مرجح معتبر.

ثامناً: ملاحظة أسلوب النص وصياغته هل هو عام ؟ وهل هو مطلق ؟ وهل هو مجمل ؟ وهل تشترك فيه معان عدة أم لا ؟ وهل يحتوي دلالة على حقيقة علمية لا يمكن تعارضها مع العرف اللغوي الذي قد يقدم في الاعتبار أم هناك احتمال آخر.

تاسعاً: عند التأويل للنص لا بد أن يكون هناك ما يقتضي ذلك ويلزم عندئذ إعمال القواعد المعتبره عند أئمة الأصول و التفسير من مثل قولهم:

  • العبرة بعموم النص لا بخصوص السبب.
  • إعمال الكلام أولى من إهماله.
  • لا عبرة بالظن غير الناشئ عن دليل.

عاشراً: اعتماد المعاني المقررة للحروف التي تسمى حروف المعاني كما قررها الأئمة الأعلام.

حادي عشر: البعد عن تأويل المتشابه وكذا الخوض في القضايا السمعية، مما لا يخضع للنشاط الذهني؛ بل يعتمد على النصوص الواردة بصددها من كتاب الله وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم.

ثاني عشر: ومن ذلك عدم الخوض في النصوص المتعلقة بالغيبيات التي استأثر الله بعلمها.

ثالث عشر: الحذر من الأخبار الإسرائيلية والآثار الواهية.

رابع عشر: التأدب مع علماء الأمة والحذر من تسفيه آرائهم فكم عاب إنسان آخر في اجتهاده فكان فيه العيب، إذ لم يحسن فهم مرامي الكلام أو مقتضيات الحال.

خامس عشر: يجب ألا يفارقنا اليقين بصدق قول رسول الله صلى الله عليه  وآله وسلم الذي هو بمثابة قول الله عز وجل لأنه وحي ووعد من الله ولذلك مهما رأينا وسمعنا في واقع حياتنا بأمور تتعلق بالكون فلا يسوغ أن نقدم ما قيل بصددها على ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا يجب إعادة النظر عند وجود تعارض ظاهري بينهما لأنه لا يمكن أن يصادم مضمون نص صحيح حقيقة ثابتة أبداً حيث إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى بل بوحي من الله خالق الكون.

بعض المحترزات البحثية في مجال التدبر العلمي في القرآن الكريم

1- إيثار أسلوب اليسر في بيان المراد ـ وكذا تدوين الأفكار أو التعليل في مجال بيان المطلوب ـ فاليسر من مبادئ الدين الإسلامي بشكل عام ويلزم عدم الغفلة عن ملاحظة إظهار هداية القرآن والسنة للتي هي أقوم؛ حيث هي الغاية من إنزال القرآن الكريم.

2- اختيار الطريقة المناسبة للتدليل والبرهنة فالموضوع التجريبي له طريقته والمنطقي له طريقته وبحوث المقارنات الميدانية لها أسلوب بيانها.. وهكذا.

3- الحذر من معارضة مبدأ شرعي أو قاعدة من قواعد الدين أو معلم من معالمه لأن اليقين العلمي متوافق مع الدين في كل الحقائق التي يستنبطها أهل الاختصاص في شتى المجالات الكونية ومنها الميدان الطبي.

4- اجتناب العبارات التي تشعر أن الباحث يدافع عن القرآن والسنة أو أنهما يحتويان ما يمكن أن يعبر عنه بالنقص أو أن العلماء السابقين قصروا في فهمها أو أنهم قد أخطؤا في فهم ما يشتملان عليه من حقائق.

5-الاعتدال في بيان الحقائق الكونية بعد التأكد من ثبوتها وعدم الاندفاع العاطفي الذي يترجم انبهاراً وعدم اتزان، وكما ذكرنا فإن على الباحث أن يحذر من التعجل والإسراع إلى فكرة لمجرد أنها أعجبته؛ بل عليه التزام الحيدة البحثية وعدم التحيز لما يعرضه بل يتوجب عليه كذلك عدم الركون للقناعات الشخصية جعل العلم الكوني بمثابة المرجع المرجح والملاذ الذي يركن إليه بإطلاق.

6- مراعاة التقاليد والأمور التي جرى عليها في البحث العلمي من عدم التجريح بالآخرين تقصد غبن الناس مقاديرهم مثل التقليل من شأن جهود السابقين.

7- لدى تحقيق مناط الإعجاز بشقيه الشرعي والكوني يلزم الإشارة للخلفية التاريخية التي توضح واقع المجتمع الإنساني من ناحية المعارف الكونية قبل إظهار المطابقة المطلوبة بين الدلالة النصية والحقيقة العلمية؛ وبالتالي تقرير النتيجة المفضية لوضوح الصورة الإعجازية حسب الخطوات الخمس المقررة.

8- ملاحظة الفرق بين بحث تمهيدي في مرحلة المطارحات والمناقشات ولكن يراد منه الوصول إلى نتيجة ـ ولو كانت غير مقطوع بها ـ ولا يدعي صاحبه أنه يقرر حقائق ثابتة ولا يدافع عن أفكار معينة، وبين بحث هادف لبيان الإعجاز العلمي فالأول يمكن التساهل في أسلوب عرضه لإثارة أفكار الآخرين وإثراء البحث (( ولكن في نطاق بحثي خاص )) أما الثاني فلابد فيه من التدقيق التام خاصة أثناء العرض، ولذلك ففي هذا المجال لا بد أن تضيق دائرة القبول وتحدد بحاله مقتضى الدعوى على وجه لا يحتمل أي شك.

نُشر بواسطة مواهب الخطيب

مواهب الخطيب، دكتوراه تفسير وعلوم قران , مدرب معتمد في البرمجة اللغوية العصبية

أضف تعليق